الخميس، 30 أبريل 2009

في بـردى والنّسرين...ودمشق الحزينة


أبكي مـدى الشّعـرِ إذ أبكيـكَ والكُتبَـا

وأغبط المـوتَ أن أشقـى بكَ العَـربَـا

جُـرحٌ أخيـرٌ بقلبـي قلتُ أتـرُكـــــهُ

لكـنّ مـوتَـكَ قــد أغـراهُ أن يَثِبَــــا

لَكـمْ أحـنُّ إلـى ليـلٍ بـلا قَمــــــــــرٍ

أبُثّــه الحـزنَ والأيّــامَ والشَّغَبَــــــا

وأُطلق الـرّوحَ وحدي والخرابُ معي

فالقلـبُ بعـدكَ أضحـى مُقفـرًا خَـرِبَا

يـا سيّـدَ الشّـامِ أَنعى فيـكَ أنفُسَنـا

وكـمْ نعـى ميّـتٌ نـاعيه وانتحبَـا

آهٍ علـى الحبّ مـن يسقِي خمـائلَه

ويُطعـم الشّعبَ من أشـواكه عِنَبَـا ؟

آهٍ على الشّعـرِ من يبكي بـدواتَنَـا

ومن سيفضـح فينا العُهـرَ والكـذِبَـا ؟؟

* * *

نامـتْ دمشقُ على حـزنٍ وقد أَرِقـتْ

زهـورُ غَـوطتها واستمطـرتْ عِنَبَـا

ورابـط اللّيـلُ فوق القلبِ مُشتعـلاً

فأَلهبَ المـاءَ والأغصـانَ والسُّحُبَـا

ظللتُ أَرتِـق جـرحي وهـو يغلبنـي

ويُخـرج الـدّمَ من جَـوفيْه واللّهَبَـا

مـالي وللمـوتِ؟لن أغتـابَ مـرثيَـةً

تُفيـق يـومًا ويـومًا تـدّعي التّعَبَـا

سأتـرُك القلبَ يَهْـذي أيّمـا هَـوَسٍ

وأُطلـقُ الفكـرَ عَدْوًا كان أمْ خَبَبَـا

مـاالموتُ ما يثقـبُ الجفنيْن من وجـعٍ

بل مـا يُشـرّدُ ستْـرَ الرّوحِ والحُجُبَـا

* * *

ليْتَ المحيطـاتِ لا تُفضـي إلى جهـةٍ

وليتنـي نـورسٌ يستقـرئ الشُّهُبَـا

حتّـى إذا مـات أحـلاها طـرِبْتُ لـه

لا يُحسـنُ الحزنَ مَن لا يُحسن الطّرَبَـا

يـا سيّـدي "بَرَدَى" سكـرانُ منطفـئٌ

لم يلمـسِ الكـأسَ بل من نفسـه شَرِبَـا

جرى الفراتُ بـدمعِ الشّـامِ قـاطبـةً

أَبْكَى "البُلَيْخ" وأبكى غربَها "حَلَبَـا"

و"الكاظميّةَ" و"المِنيا" و"قُنْفُـذةً"

ثـمّ "الشُّوَيْرِفَ" و"النّاظورَ" و"العَقَبَـا"

من الخليجِ إلى أقصـى المحيطِ دَمٌ

يبكي المغـامرَ والسّيـفَ الذي ذَهَبَـا

* * *

اِبْقَـيْ قليلاً ونـامي فـوق خـارطتِي

أنتِ المكـان الذي بالكـادِ قد قَرُبَـا

أنتِ المـرافئُ والشّطـآنُ إن شَـردتْ

مـراكبُ الرّوحِ حتّى أَفْنتِ الخَشَبَـا

لم يبـقَ بالكونِ شيءً أستظـلُّ بـه

ضاق الزّمانُ على قلبي بما رَحُبَـا

أَحُـطّ حِمْـلَ فراغاتي وبـي أمــلٌ

أظنّـه ميّتًـا نشـوانَ قــد صُلِبَــا

قـد حطّـم المـوجُ من أقـداحِه ثُلُثًــا

وأَذْرتِ الرّيحُ من أيّامـه النُّجُبَــا

لكـنّ مـوتَكَ يـا شـاميُّ يجمعنــا

إذا افتـرقْنا ولـم نعرفْ لنـا نَسَبَـا

* * *

الجـزء الثّاني من المرثيّة (بالعاميّة):

تنفّضْ مالَتْ رقبتَهْ وذْبِـلْ الـزّهِـرْ سْمِـعْ هَسيـسْ النّهِـرْ

طلَبْ غـالي يا صاحبي وادْفَـعْ المَهِـرْ

* * *

تنفّضْ مالتْ رقبته نسرينْ الشّامْ ولَفْ الدّنيـا ظـلامْ

بـرْقـتْ بين ستايـرهْ حلـوةْ لَبْسـامْ

خـدّاعـهِ لَيّـامْ

شـويّه منها يفـرّحَكْ والباقي حـرامْ

بالخـافي والجَهِـرْ

مـا نبكي علْ فرقتكْ نبكي عالقَهِـرْ

* * *

يـرجعشْ عُمـر الـزّهِـوْ يـا صاحبي والغـوالـي

ونلقـاكْ فـي يـومْ لَهِـوْ نتضاحكو بصوتْ عالي

نضحكْ قد أحزانّا نفدي مـا فـاتْ

نخلّـي اللّيل يبـاتْ

نخـشْ ردايِدْ ظلمته نشـدّو النّجمـاتْ

محمّد الخامس بن لطيّف

الأربعاء، 1 أبريل 2009

الــرّبــاعيّـــات

اِسقنِـي خمـرًا من الـدّنِّ العتيـقْ
تُشعـل الـرّوحَ غرامًـا وحـريقْ
عـلّ دنيـايَ إذا السّكــرُ سـرَى
تنفـضُ الأحـزانَ عنّـي وتُفيـقْ
* * *
لا ينـالُ الـوصلَ في اللّيلِ نـؤومْ
فَلْتبكّـرْ قبـل أن تـذوي النّجـومْ
واصطبِـحْ ثـمّ اغتبـقْ مسترسـلاً
بيـن أحضـان بسـاتيـنِ الكـرومْ
* * *
يـا حبيبـي أَثْبـتِ الكـأسَ قليـلاَ
فـأنـا أخشـى عليهـا أن تميـلاَ
مثلمـا مـالتْ بنـا هـذي اللّيالـي
وأضـاعـتْ نجمـةً كانـت دليـلاَ
* * *
لا أعِـي مـن هـذه الدّنيا حـراكَـا
يـا نـديمي تـرّب الكـأسُ ثـراكَـا
صـامتًا مـن ضجّـةِ الخلقِ غـريبًـا
فـكــأنّ الأرضَ ملـكٌ لِسـواكَـا
* * *
هـذه الـدّنيـا سـرابٌ لا يَبيــنْ
وظنـونٌ ليـس فيهـا مـن يَقيــنْ
كـلُّ فكـرٍ أمسَـى فيهـا كـذِبًـا
يـدّعِـي دِينًـا ولكـن أيّ دِيـــنْ
* * *
حسبـكَ اليومَ من الـدّنيا صِحـابَـا
ذكـريـاتٍ قـد تفتَّحـن كتـابَـا
ونـديمًـا صامتًـا تُفضـي لـه
وهـو لا يفهـمُ قـولاً أو خطابَـا
* * *
قـد وجـدتً الخلقَ في العقـل حيارَى
ضيّعـوا العـمـرَ كلاما وشعـارَا
بعضهـم مـالَ علـى الظّنّ يمينًـا
وأفـاض البعضُ في شـكٍّ يسـارَا
* * *
أيّهـا السّابحُ فـي لـجِّ الغـرامْ
ساهـرًا والنّاسُ فـي اللّيلِ نيـامْ
أنتَ تبكـي اليومَ ذكـرى طَلَـلٍ
قد بكـاهُ واهمٌ مـن ألـفِ عـامْ
* * *
لا تُطـلْ يا سيّـدي فيه الـوقوفْ
زمـنٌ مَيْـتٌ وأرواحٌ تطـوفْ
فاقتربْ واشـربْ علـى ذكراهمُ
وتمتّـعْ قبل أن تـذوي القُطـوفْ
* * *
لسـتُ أدعوكَ لغيـر الانشراحْ
وسماعِ الطّيـرِ في هذا الصّبـاحْ
دعْـكَ من أمسٍ مضى في أمسهِ
هَـهُنـا زهـرٌ وخمـرٌ ومـلاحْ
* * *
ليس خوفي الأمسَ بل خوفي غَـدي
فـاملإ الكـأسَ ولا تنـس يـدِي
واقتـربْ منّي وأدفـئْ أضْلُعًـا
عصفـتْ فيها ريـاحُ الكَمَـدِ
م.الخامس ـ 2009