تمهيد : هذه القصيدة قديمة...قديمة قدم أبي...كتبتها ساعة موته...وجزؤها الأخير الذي كتبته بالعاميّة غنّاه الفنّان "بلقاسم بوقنّه"
...وألقـاكَ شـوقًـا جامحًـا ووصـالاً صغيـرًا يَبكـي وجـعَ الـدّهـرِ...وبين أصابِعـي تمـوتُ لغـةٌ وفجـرٌ بعيـدٌ لا زلـتُ أحفـظُ صمتَـه فـي قلبـي...
رَذاذٌ بِطعـمِ البنفسـجِ
يفتتـحُ اللّيـلَ في قلبِـكَ الآنَ
والشّـرفاتُ الصّغيـرةُ تجمـعُ أضـواءَها ،
وتنــامُ ،
فقـد آبـتِ الطّيـرُ هذا المسـاءَ على غيـرِ عادتِهـا
والفـراشُ القليـلُ ،،،
وكـان ـ على دكّـةٍ غمرتْها المـزاريبُ ـ طفـلٌ
يكـابِـدُ طيّـارةً علّقتْهـا الـرّياحُ بِمئـذنةٍ
ونَستهـا الفُصـولُ ،،،
وغِبـتَ بِـوعيِـكَ في وِجهـةٍ لم تُحـدّثْ بها أحـدًا
لَكَـأنّ قِـلاعًـا تَبيـنُ بِفتحـةِ عينيْكَ منهـا ،
وسيْفًـا يَنـوءُ بـهِ وينـامُ الأصيـلُ ،،،
وأنـتَ
تحاولُنـي مـرّةً أنْ أراكَ
تُحـرّكُ كفَّـكَ خائـرةً لِتشـدَّ يـدِي
وجعـي أنْ تمـوتَ علـى الصّمـتِ ،
قلبـي الـذي فـوقَ غُصـنٍ
بتفّـاحتيْـنِ يَميـلُ ،،،
وأقـرأُ ـ فـي مـا تقـولُ من الكلماتِ القتيلـةِ ،
في مـا تكـابـدُهُ شفتـاكَ ـ
احتمـالاً مـن العشقِ
تكتمـه فيسيـلُ ،،،
وآهٍ لإنْ سألـوا مَـن بـديلُـكَ ؟
أيـنَ البـديـلُ ؟؟ ،،،
* * * *
غـريبٌ قـرارُكَ أن تخـدعَ المـوتَ في أوجِ قلبِـكَ !
تخـدعَنـي مثلمـا كنـتَ بالصّمـتِ
بالاكتفـاءِ بـأدنـى القليـل
وكنـتَ تُكـابـرُ...كَـمْ كنـتَ
والمـوتُ لا شـكَّ يعـرفُ
واللّـهُ...والآيـةُ القُـرَشيّـةُ :
إنْ بلغَـتْ للتّـراقِـي ،،،
وهُلِّـلَ مَـنْ راقِ ؟ ،،،
والتفَّـت السّـاقُ بالسّـاقِ ،،،
* * * *
إِذًا...أَسلـمَ القلـبَ مختنِقًـا !
والفَـمُ البَـدوِيُّ المُعطَّـرُ بالـدّمِ والمـاءِ زاح قليلاً
وأَفضَـى بشـيءٍ مـن الصّمـتِ
هـذا الوصـالُ لقد أَوهـم القلبَ والـرّوحَ
أنْ ستعـودُ غـدًا !
وأَراكَ ببستـانِ لَـوزٍ
يطـوفُ بِـأرجائـه الضّـوءُ والـذّكريـاتُ
وأنـتَ علـى دكّـةٍ غمرتْهـا الـزّنابـقُ
فـي نشـوةِ الـوعدِ بيـن النّـدى والطّيـوبِ ،،،
كـأنّـكَ كـلُّ المقابـرِ حيـن نـزلـتَ
وكـلُّ الثّـرى يـا حبيبـي ،،،
فكيـفَ تُـرى قـدمـاكَ النّـديّـانِ ؟
أخشـى يُقاسمـكَ الصّيـفُ والـرّيـحُ هذا القليـلَ من المـاءِ !
لاَ قـدحًـا...لاَ مَشـاربَ
لاَ غيمـةً قرصـتْ حلمتيْهـا على غفلـةٍ في الغـروبِ ،،،
ويـا قلـبُ...هـذا خصـاءُ القلـوبِ !!
* * * *
لأنـتَ بكيْـتَ الفـراقَ
وأخفيـتَ وجهَـكَ بـالـدّمـعِ تقتلنـي
وتمـوتُ بـإحـدى الجـزائـرِ وحـدَكَ
فـي آخـرِ المـاءِ !
كَـذَا أنـتَ وحـدكَ...
مـاءٌ سفينُـكَ يـا سيّـدي
وشـراعُـكَ مــاءُ ،،،
وكـلُّ القصـائـدِ ـ إنْ خانـت العتبـاتُ
وأوشكـتَ من عَثـرةٍ تتهـاوى ـ وفــاءُ ،،،
وهـذي الخيـولُ التـي يَعلـقُ اللّيـلُ فـي سـرجهـا
والفضــاءُ ،،،
كَبـتْ...إلاَّ قلبـكَ
سبحـانـهُ ينحنـي للأحِبّـةِ !
والانحنـاءُ لغيـرِ الغـرامِ غَبـاءُ !!
* * * *
ذَكّـرينـي بلـونِ الخطـاطيـفِ ،
بـالشّجـراتِ التـي خبّـأتْنـا
وخَـربَشَنـا الصّيـفُ فـي ظلّهـا والشّـذى !
ذكّـرينـي بتلـكَ الـرّوابـي الصّغيـرةِ
حيـثُ يطيـرُ الحمـامُ ،
ويـأوي الفـراشُ القـديـمُ ،ولَهـوُ الطّفولـةِ واللّيـلُ
نضحـكُ فـي منتهـى الحـزنِ
نكتـبُ في الـدّفتـرِ المـدرسيِّ على هامـشِ الـدّرسِ
أحـلامَنـا وشتـائمَنـا وأَسامـي الحبيبـاتِ
أُولـى الحبيبـاتِ !
ثــمَّ كبـرنـا...
وجـدنـا الخطـاطيـفَ قـد غيّـرتْ لـونهـا،
والـرّوابـي الصّغيـرةَ..
والصّيفَ...واللّيـلَ...والـدّفترَ المـدرسيَّ..وكـلَّ الحبيبـاتِ !
لـم يبـقَ مـن أَحـدٍ غيـر أحـلامنـا ،
غيـركَ يـا قلـبُ أنـتَ بِـلا زمـنٍ
فـالـزّمـانُ انتِفــاء ُ ،،،
وأنـتَ الـذي فـوقَ عشقِـكَ
يصطلـحُ المـاءُ والمـاوراءُ ،،،
ويـأوي إلـى حقلـكَ العمـرُ أو مـا تبقّـى
وتغفـو الظّبــاءُ ،،،
لقـد شـرّدتنـا المقـاديـرُ
واختصـم اللّـهُ في أمـرنـا والقضـاءُ !،،،
* * *
تِنـاسِيتْ نَنْسـاشْ زادَنْ مْحـونِـي.... وفــاضَـنْ اعْيـونِـي
وقِصْـرَنْ مِسـافـاتْ دُونَـكْ وْدُونِـي
* * *
تِنـاسِيتْ نَنْسـاشْ سـاعـاتْ وِدَّكْ..... وِسْنِيـنْ كَـدَّكْ
وقـدّاشْ هـالعُمُـرْ هَـزّكْ ورَدَّكْ
أيّـامْ واتُـوكْ وأيّـامْ ضِـدّكْ
فْضـالَـكْ كِسُـونـي.... وتَنْـرُدْ مِسْـوالْ كِثْـرَتْ دْيُـونـي
* * *
تِنـاسِيتْ نَنْسـاشْ هالقَلِـبْ مَـا بَـهْ .... تِعْبُـو أَطْنـابَـهْ
والـرَّمَـلْ والحُـزُنْ سَـدُّو أبْـوابَـهْ
أنـا انْخـافْ لاَ طـاحْ يضيعُـو أحْبابَـهْ
وِيعـاتْبُـونِي....عـلْ قـدْ يـا قلـب مـاهم بغُـونِـي
* * *
تِنـاسيتْ ننسـاشْ غَـدّيتْ فَـرحِـي .... وِنْطَـفْ جُـرْحِـي
راهَنِـتْ عـلْ البـاهيـهْ افْسِـدْ طُـرحِـي
وِاشْـرَحِـتْ ما لْقيـتْ معنَـى لْشَـرْحِـي
غيـرْ فَهّمـونِـي .... كـل مـا بغيـتْ مـن غَـوالـي نسُـونِـي
دوز ـ مـاي 94